هل هو من قبيلة شريفة ؟ هل هو من أسرة قوية ؟ ما مركزه في المجتمع ؟ كل هذا لا يهم عمر – رضي الله عنه – لأنه لا يحابي أحداً في دين الله ، ولا يجامل أحداً على حساب شرع الله ولو كان ابنه القاتل ، لاقتص منه قال الرجل : يا أمير المؤمنين : أسألك بالذي قامت به السموات والأرض أن تتركني ليلة ، لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية ، فأُخبِرُهم بأنك سوف تقتلني ، ثم أعود إليك ، والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا قال عمر : من يكفلك أن تذهب إلى البادية ، ثم تعود إليَّ ؟ فسكت الناس جميعا ً، إنهم لا يعرفون اسمه ، ولا خيمته ، ولا داره ، ولا قبيلته ولا منزله ، فكيف يكفلونه ، وهي كفالة ليست على عشرة دنانير ، ولا على أرض ، ولا على ناقة ، إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله ؟ ومن يشفع عنده ؟ ومن يمكن أن يُفكر في وساطة لديه ؟ فسكت الصحابة ، وعمر مُتأثر ، لأنه وقع في حيرة ، هل يُقدم فيقتل هذا الرجل ، وأطفاله يموتون جوعاً هناك أو يتركه فيذهب بلا كفالة ، فيضيع دم المقتول ، وسكت الناس ، ونكّس عمر رأسه ، والتفت إلى الشابين : أتعفوان عنه ؟ قالا : لا ، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين قال عمر : من يكفل هذا أيها الناس ؟ فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته وزهده ، وصدقه ، وقال يا أمير المؤمنين ، أنا أكفله قال عمر : هو قَتْل قال : ولو كان قتلا قال : أتعرفه ؟ قال : ما أعرفه قال : كيف تكفله ؟ قال : رأيت فيه سِمات المؤمنين ، فعلمت أنه لا يكذب ، وسيأتي إن شاء الله قال عمر : يا أبا ذرّ ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك قال : الله المستعان يا أمير المؤمنين فذهب الرجل ، وأعطاه عمر ثلاث ليال ٍ، يُهيئ فيها نفسه ، ويُودع أطفاله وأهله ، وينظر في أمرهم بعده ، ثم يأتي ، ليقتص منه لأنه قتل وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد ، يَعُدّ الأيام عداً ، وفي العصر نادى في المدينة : الصلاة جامعة ، فجاء الشابان ، واجتمع الناس ، وأتى أبو ذر وجلس أمام عمر قال عمر: أين الرجل ؟ قال : ما أدري يا أمير المؤمنين وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس ، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها ، وسكت الصحابة واجمين ، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر ، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد لكن هذه شريعة ، لكن هذا منهج ، لكن هذه أحكام ربانية ، لا يلعب بها اللاعبون ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها ، ولا تنفذ في ظروف دون ظروف وعلى أناس دون أناس ، وفي مكان دون مكان وقبل الغروب بلحظات ، وإذا بالرجل يأتي ، فكبّر عمر ، وكبّر المسلمون معه فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ، ما شعرنا بك وما عرفنا مكانك قال : يا أمير المؤمنين والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى !! ها أنا يا أمير المؤمنين تركت أطفالي كفراخ الطير لا ماء ولا شجر في البادية ، وجئتُ لأُقتل فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان ؟ قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه قال عمر : الله أكبر ، ودموعه تسيل على لحيته جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما وجزاك الله خيراً يا أبا ذرّ يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته وجزاك الله خيراً أيها الرجل لصدقك ووفائك |