عمر بن الخطاب رضي الله عنه

صفحة جديدة 2
























أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

 وكان في المجلس

وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه

قال عمر: ما هذا

قالوا : يا أمير المؤمنين ، هذا قتل أبانا

قال : أقتلت أباهم ؟

قال: نعم قتلته !

قال : كيف قتلتَه ؟ ؟

قال : دخل بجمله في أرضي ،

 فزجرته ، فلم ينزجر، فأرسلت عليه

حجراً ، وقع على رأسه فمات ...

قال عمر : القصاص

الإعدام .. قرار لم يكتب ..

 وحكم سديد لا يحتاج مناقشة ، لم يسأل عمر

عن أسرة هذا الرجل ، 
هل هو من قبيلة شريفة ؟ هل هو من أسرة قوية ؟

ما مركزه في المجتمع ؟

كل هذا لا يهم عمر – رضي الله عنه – لأنه لا يحابي

أحداً في دين الله ،

ولا يجامل أحداً على حساب شرع الله

 ولو كان ابنه القاتل ، لاقتص منه

قال الرجل : يا أمير المؤمنين :
أسألك بالذي قامت به السموات والأرض

أن تتركني ليلة ، 
لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية ، فأُخبِرُهم بأنك

سوف تقتلني ، ثم أعود إليك ،
والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا

قال عمر : من يكفلك أن تذهب إلى البادية ،
ثم تعود إليَّ ؟

فسكت الناس جميعا ً،
إنهم لا يعرفون اسمه ، ولا خيمته ،
ولا داره ، ولا قبيلته

ولا منزله ، فكيف يكفلونه ،
وهي كفالة ليست على عشرة دنانير ، ولا على

أرض ، ولا على ناقة ، 
إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف

ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله ؟ 
ومن يشفع عنده ؟ ومن

يمكن أن يُفكر في وساطة لديه ؟ 
فسكت الصحابة ، وعمر مُتأثر ، لأنه

وقع في حيرة ، هل يُقدم فيقتل هذا الرجل ،
وأطفاله يموتون جوعاً هناك

أو يتركه فيذهب بلا كفالة ، فيضيع دم المقتول ،
وسكت الناس ، ونكّس عمر

رأسه ، والتفت إلى الشابين : أتعفوان عنه ؟

قالا : لا ، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين

قال عمر : من يكفل هذا أيها الناس ؟

فقام أبو ذر الغفاريّ بشيبته وزهده ، وصدقه ، وقال

يا أمير المؤمنين ، أنا أكفله

قال عمر : هو قَتْل

قال : ولو كان قتلا

قال : أتعرفه ؟

قال : ما أعرفه

قال : كيف تكفله ؟

قال : رأيت فيه سِمات المؤمنين ، 
فعلمت أنه لا يكذب ، وسيأتي إن شاء الله 

قال عمر : يا أبا ذرّ ،
أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك 

قال : الله المستعان يا أمير المؤمنين

فذهب الرجل ،
وأعطاه عمر ثلاث ليال ٍ، يُهيئ فيها نفسه ، 
ويُودع أطفاله

وأهله ، وينظر في أمرهم بعده ،
ثم يأتي ، ليقتص منه لأنه قتل 

وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد ،
يَعُدّ الأيام عداً ، وفي العصر نادى

في المدينة : الصلاة جامعة ،
فجاء الشابان ، واجتمع الناس ، وأتى أبو ذر

وجلس أمام عمر

قال عمر: أين الرجل ؟

قال : ما أدري يا أمير المؤمنين

وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس ،
وكأنها تمر سريعة على غير عادتها ، وسكت

الصحابة واجمين ، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله 

صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر ،
وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد

لكن هذه شريعة ، لكن هذا منهج ،
لكن هذه أحكام ربانية ، لا يلعب بها اللاعبون

ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها ،
ولا تنفذ في ظروف دون ظروف

وعلى أناس دون أناس ، وفي مكان دون مكان

وقبل الغروب بلحظات ، وإذا بالرجل يأتي ،
فكبّر عمر ، وكبّر المسلمون معه

فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ، 
ما شعرنا بك وما عرفنا مكانك

قال : يا أمير المؤمنين

والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى !!
ها أنا يا أمير المؤمنين

 تركت أطفالي كفراخ الطير لا ماء ولا شجر في البادية ،
وجئتُ لأُقتل 

فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان ؟

قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه

قال عمر : الله أكبر ، ودموعه تسيل على لحيته

جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما

 وجزاك الله خيراً يا أبا ذرّ يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته

 وجزاك الله خيراً أيها الرجل لصدقك ووفائك  


















=''>

آخر المواضيع